قضيتها وصلت إلى السيسي.. وفاة “فتاة الشروق” في مصر

“أنا أكافح من أجل الوصول إلى صيدلية توفر علاج الغدة لأمي”.. بهذه الكلمات وصف أحمد (اسم مستعار) خلال حديثه مع موقع “الحرة”، رحلته الصعبة في مصر لشراء الدواء الذي وصفه الأطباء لوالدته، بعد خضوعها لعملية استئصال الغدة الدرقية قبل أكثر من عامين.

وتعاني السوق المصرية من نقص حاد في بعض أصناف الأدوية المهمة منذ عام تقريبا، بسبب أزمة نقص الدولار، التي اتخذ البنك المركزي مؤخرا إجراءات في سبيل حلها، بحسب ما يقول المحامي الحقوقي والمدير التنفيذي لجمعية “الحق في الدواء” محمود فؤاد.

وقال أحمد (30 عاما) لموقع “الحرة”: “أشخاص كثيرون وأنا منهم، يبحثون عن دواء التروكسين (Eltroxin) كل فترة. ودائما يقال لنا: ناقص (غير متوفر). أو تعرض الصيدليات بدائل أخرى”.

الحال ذاته واجهته عبير (32 عاما) التي تنتظر أياما حتى تنجح في الحصول على دواء “فيردابيوتال” المخصص لعلاج الاكتئاب، قائلة لموقع “الحرة”: “دخت في رحلتي للبحث عنه. يتم حجز الدواء، إذ يجب أن أطلبه من صيدلية قريبة ثم أنتظر عدة أيام كي يتوفر”.

وبدوره، أكد المدير التنفيذي لجمعية “الحق في الدواء”، “نقص أدوية الغدة، والنفسية والعصبية، والأمراض المناعية، والهرمونات، وبعض أنواع الأنسولين، وبعض أدوية الأورام، في السوق المصرية”.

وقال فؤاد لموقع “الحرة”، إن “هناك طوابير في وسط القاهرة أمام صيدلية الإسعاف الشهيرة، التي يأتي لها أشخاص من محافظات بعيدة مثل أسوان والإسكندرية.. الناس تتكدس منذ ساعات الفجر أمام الصيدلية للحصول على الدواء.. نحن أمام مرحلة خطيرة”.

زيادة الأسعار

ورغم ما يشهده السوق من نقص وارتفاع في أسعار بعض الأدوية، يطالب رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية في مصر، علي عوف، السلطات المصرية بزيادة أسعار الدواء، لتصل إلى سعر “يتناسب مع زيادة التكاليف والأعباء التشغيلية للشركات”.

ويسعّر الدواء إداريا في مصر من قبل هيئة الدواء المصرية، التي تقول عبر موقعها الإلكتروني إنها تتولى تنظيم تسجيل وتداول ورقابة المستحضرات والمستلزمات الطبية والمواد الخام التي تدخل في تصنيعها.

وقال عوف: “الدواء سلعة استراتيجية ولها بعد اجتماعي، لذلك هو سلعة من 3 سلع تخضع للتسعير الإجباري إلى جانب المحروقات والخبز”.

ويشرح عوف مفهوم التسعير الإجباري للأدوية في مصر، بالقول: “سعر يتم وضعه من قبل هيئة الدواء بالتوافق مع الشركات، ولا يسمح لأية شركة من الشركات بزيادة السعر عن المعتمد، قبل الرجوع إلى الهيئة”.

ويبرر عوف مطالب الشعبة، بأن “الدواء يُعد المنتج الوحيد في السوق المصرية الذي لم ترتفع أسعاره منذ 6 أشهر، رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج”.

من جانبه، ينتقد المدير التنفيذي لجمعية الحق في الدواء، مطالب شعبة الأدوية، قائلا: “ليس هذا الوقت المناسب للمطالبة برفع الأسعار، يجب أن تتحمل الشركات الظروف الحالية، خاصة أن المواطن المصري يعاني من تكاليف معيشية صعبة حاليا”.

ويتفق مع هذا الرأي، الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، الذي أشار خلال حديثه مع موقع “الحرة” إلى أن الأسعار “ارتفعت خلال العام الماضي بمعدلات كبيرة، حينما كان يتم الاستيراد بأسعار الدولار في السوق الموازية”.

وقال: “تكلفة معيشة المواطن المصري أصبحت مرتفعة جدا، بغض النظر عن تراجع الدولار في المستقبل أم لا.. هناك بعض المنتجات والسلع الأساسية التي بدأت أسعارها ترتفع، والسوق لا يمكنه استيعاب أي زيادة في أسعار الدواء، أو أي منتجات أخرى”.

وعلى مدار العامين الماضيين، ضغط الشح الحاد في الدولار على الواردات، وتسبب في تراكم البضائع في الموانئ، مما كان له تأثير على الصناعة المحلية.

وارتفعت أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية بوتيرة أسرع بكثير من معدل التضخم، الذي تسارع لمستوى غير مسبوق بلغ 38 بالمئة في سبتمبر الماضي، قبل أن يتراجع إلى 35.7 بالمئة في فبراير 2023.

وأكد مدير جمعية “الحق في الدواء” أن هناك بعض المنتجات الدوائية المستوردة “ارتفعت أسعارها بالفعل في السوق المصرية، خصوصا التي لا يتوفر لها بديل محلي”.

وأشارت إلى هذا أيضا عبير، قائلة: “كنت أشتري قطرة عين بـ30 جنيها (0.63 دولار) قبل شهر، أصبح سعرها الآن نحو 45 جنيها (0.94 دولار)”.

وفي عام 2023، ارتفعت أسعار الدواء في السوق المصرية بنسبة 24 بالمئة في المتوسط، حسب ما قال رئيس شعبة الدواء لموقع “الحرة”، الذي يؤكد أنها “النسبة الأعلى مقارنة بالأعوام السابقة، حيث كان متوسط زيادة الدواء خلال الظروف الطبيعية، دون أي تقلبات اقتصادية أو سياسية، 12 في المئة سنويا”.

انفراجة منتظرة

وحسب عوف، فإن سوق الدواء في مصر الذي يعتمد على مكونات الإنتاج المستوردة بنسبة 90 في المئة، يترقب انعكاس الإجراءات الاقتصادية التي شرعت البلاد في تنفيذها خلال مارس الجاري، ضمن اتفاق دعم مالي بقيمة 8 مليارات دولار وقعته الحكومة، الأسبوع الماضي، مع صندوق النقد الدولي.

وخفضت مصر، في السادس من مارس، سعر الصرف إلى نحو 50 جنيها للدولار، من مستوى 31 جنيها، الذي استقر بالقرب منه لما يقرب من عام.

وارتفع الجنيه تدريجيا منذ ذلك الحين، وجرى تداوله عند 47.81 جنيها للدولار الواحد، الخميس.

وتُشكل الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي المصري لتوحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية، انفراجة بالنسبة لسوق الدواء في مصر، وفق عوف، الذي أشار إلى أن ذلك “يسهم في تسريع الإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج المستوردة، التي تشكل نسبة 90 في المئة من السوق”.

وفي بيان صحفي نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، الخميس، قال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إنه “تم الإفراج عن جانب كبير من البضائع المتراكمة في الموانئ المختلفة، بلغت قيمتها نحو 3 مليارات دولار”.

وأكد رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن “هيئة الدواء المصرية وافقت مؤخرا على تلقي طلبات من الشركات التي تضررت من ارتفاع تكاليف الإنتاج، لبحث ودراسة رفع أسعارها”.

وتابع عوف: “الهيئة تدرس بعناية إمكانية تحريك الأسعار ووصولها إلى مستوى عادل ومرض للشركات وكذلك المرضى، بحيث لا تكون الأسعار مبالغا فيها، وتواصل الشركات الصناعية عملها دون أزمات”.

وتوقع المسؤول ارتفاع الأسعار بنسبة 25 بالمئة في المتوسط خلال الفترة المقبلة، “وهي نفس معدل زيادة تكاليف الإنتاج”، مشيرا إلى أن الزيادات ستكون “محدودة فيما يتعلق بأدوية الأمراض المزمنة، على عكس بعد أصناف الأدوية الأخرى التي تستخدم وفق ما تستدعي حالة المريض”.

في المقابل، قال فؤاد إن هيئة الدواء المصرية “بدأت بالفعل زيادة أسعار بعض الأصناف بما يتراوح بين 20 إلى 25 بالمئة، حتى تحاول إرضاء الشركات وتقلل الخسارة في بعض المنتجات”.

وأضاف: “لكن هذا يأتي في وقت، للأسف، الأعباء الاقتصادية على المواطن المصري كثيرة ومتعددة. كما أن هناك بعض القرارات الغريبة، مثل صرف نوع دواء واحد فقط من المستشفيات العامة، وزيادة أسعار تذكرة المستشفيات العامة، وإعادة تسعير بعض الخدمات الطبية”.

اتهامات

وطالب رئيس جمعية “الحق في الدواء” الحكومة المصرية بالتحرك من أجل مواجهة أزمة نقص الأدوية وارتفاع أسعار بعضها، قائلا: “لا يجوز أن يحاول المريض توفير الوصفات العلاجية من خلال البحث في كل ربوع مصر.. هذا أدى إلى ازدهار السوق السوداء وظهور الدواء المغشوش”.

بدوره، اتهم النحاس، شركات الأدوية بتقليل حجم المعروض من الأدوية في السوق المصرية لإعادة تسعيرها، قائلا: “الجميع يعلم أن هناك شحا في الأدوية بالسوق المصرية، فيما اختفت بعض الأصناف”.

وأعرب النحاس عن اعتقاده بأن “شركات الأدوية لاتزال تحقق أرباحا، بغض النظر عن ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث كان لديها فائض من السيولة الدولارية حصيلة الصادرات”.

ويمتلك سوق الدواء المصري قاعدة صناعية تسمح له بالتصدير إلى أفريقيا والشرق الأوسط، حسب عوف، الذي قال إن صادرات المستحضرات الطبية في عام 2023، “بلغت نحو مليار دولار لأول مرة، مقابل 600 مليون دولار في 2022”.

وحتى نوفمبر الماضي، بلغت صادرات مصر من المستحضرات الطبية المختلفة نحو مليار و176 مليون دولار منذ بداية العام، وفق بيان صحفي صادر عن هيئة الدواء المصرية ونقلته صحف محلية.

وأكد عوف ارتفاع أسعار الدواء المستورد من الخارج، مشيرا إلى أن “المستهلك المصري لا يمكنه تحمل ذلك، ويجب زيادة الوعي فيما يتعلق بالمنتج المصري المناظر للمنتج المستورد، حيث كلاهما يعملان بنفس الكفاءة والفاعلية، فيما يتميز المنتج المحلي بانخفاض السعر”.

وتابع: “منذ سنوات نطالب بالتعامل بالاسم العلمي للأدوية في السوق المصرية وليس الاسم التجاري، الذي يمنح السلع المستوردة تفضيلا أكبر”، معتبرا أن “تقليل الاعتماد على الأدوية المستوردة يسهم في توفر المزيد من العملة الأجنبية، ويدعم الصناعة الوطنية”.

ظهرت في الأصل على www.alhurra.com

Leave a Comment